العمران و معالمه في کوردستان
ساهم قدم، تأریخ و مکانة کوردستان -التي شهدت بزوغ الحضارات البشرية الأولی فیها منذ الألفیة الثانیة عشرة ما قبل التقویم المیلادي- بكسبه طرازا عمرانيا متعددا حیث خلّف أحفاد الکورد وراءهم علی مر العصور عددا كبيرا من المواقع التاريخية التي تزین لغاية يومنا هذا أجواء کوردستان ما يساهم بجذب السیاح و الزائرین، کذلك الدارسین و الملمّين بالطراز المعماري علی مر العصور. هکذا تطورت في کوردستان أنواع مختلفة من الطراز و التراث المعماري سواء للقلاع، الحصون، المدن، القری، المساجد، الأسواق والبیوت. فمن النادر جدا ايجاد مدن کوردستانیة لا تحتوي على إرث أو معلم تأریخی قدیم، سواء کان حضاریا أم دینیا.
سكن أجداد الکورد و الکوردستانیین في کوردستان القدیمة- قبل الألفیة السابعة من قبل المیلاد- في الکهوف أو اتخذوا من الصخورالعالیة أو واجهات الجبال قصورا أو قلاعا للسكن. لکن بعد الألفیة السابعة قبل المیلاد حدث تطور ملموس في نمط حیاة الکوردستانیین ما أدى إلى توسيع أفق التعایش عند الکورد. فتركوا الحياة المعتمدة علی الصید و بدأوا بصنع أماکن ثابتة لهم واهتموا بالزراعة (لذلك أطلق على هذه الحقبة تسمية 'الثورة الزراعیة الأولی' في التأریخ) و تریبة الحیوانات و الطیور. وتماشيا مع هذا النمط الجدید من الحیاة، صنع أجداد الکورد (لأول مرة في تاریخ البشریة) المحمیات و القری و سکنوا فیها بإستمرار. ومن أولی و أشهر هذه القری البدائیة هي 'جرمو' ، القریبة من قضاء جمجمال الواقعة في إقللیم کوردستان- العراق.
أما المواد التي استخدمت في البناء،و لا تزال متوافرة في طبیعة کوردستان، فکانت عبارة عن الحجر أو الطابوق المحلي الصنع (تتوافر بجمیع أنواعه في أغلبیة مناطق کوردستان)، التراب الذي يستخدم للصق و تماسك الأحجار(بأنواعها البني، الأحمر و الأصفر)، القش (بقایا حصاد الزراعة)، حيث يتم خلطها معا لتصبح مزیجا.
تتواجد في إقلیم کوردستان- العراق العدید من المعالم التأریخیة، القدیمة منها و الحدیثة نوعا ما، ذات طراز معماري شرقي فرید و منظر خلاب . لکن للأسف الشدید، فمنذ القرن العشرین لم تطرأ علی هذا الطراز المعماري أی تغیرات أو تطورات تذکر. بل لم يشهد اقليم کوردستان أي جهد لتطوير الدراسات حول العمارة الكوردية المحلية التقلیدیة وكيفية تطوير العمارة المحلية الحديثة، على الرغم من أنّ الطراز الهندسي المعماري الغربي أثر فیها الى حد كبير.
بعض الأماکن الأثریة في کوردستان
قلعة أربیل
تعد قلعة أربيل مـن أقـدم القلاع المعروفة في العالم و المأهولة لحد الآن، وقد أدرجتها مؤخرا منظمة اليونيسكو ضمن لائحة التراث العالمي كجزء من التراث الانساني والعالمي . تقع هذه القلعة في مركز مدينة أربيل، بارتفاع ٢٥ م عـن سطح الأرض وما يقارب ٤٣١ م عن سطح البحر. تبلغ مساحتها الإجمالية ١١٠٠٠٠ متر مربع، ويعود تاريخ تشييدها إلى ٦٠٠٠ سنة قبل الميلاد. أما عدد المنازل داخلها فيقدر بـ ٥٠٦ منزل و يتوزع على ثلاثة أماكن: الطوبخانة، التكية و السراي حيث تقع أماكن إقامة الميسورين من سكــان القلعة. كما تتميز بمتانة بنائها وأساساتها القوية التي كانت العنصر الأبرز المساعد على مقاومة عوامل الزمن. وتجدر الإشارة، إلى أن العديد من منازل القلعة تتميز بنقوشها، ألوانها وزخرفاتـها الجميلة التي تستقطب اهتمام الزوار والمصطافين، فضلا عن احتوائها على بيوت ذات تصاميم و ديكورات مختلفة بالاضافة الى ثلاثة متاحف تراثية و مركز للحرف اليدوية و مكونات اخرى مختلفة.
مسجد القلعة
يتوسط قلعة أربيل مسجد كان بمثابة أول معلم دينيّ و لذلك أطلق عليه تسمية "مسجد القلعة ". خضع هذا المسجد للترميم مرات عدة، وخير دليل على ذلك هو محرابه الذي نقش عليه عام ١٧١٩ - ١٧٢٠م وقد جرت عملية الترميم من الجهة التي خُوّلت الإشراف على ذلك. تم ذكر هذا المسجد من قبل كل من المؤرخ الاسلامي ياقوت الحموي عام ١٢٢٠ م في كتابه "معجم البلدان"، وابن المستوفي في كتابه "تأريخ أربيل".
سوق القيصرية
يقع سوق القيصرية قبالة قلعة أربيل ويرتفع ٣٩٤ م عن مـستوى سطح البحر. يعود تاريخ تشييد القيصرية الى عهد الامبراطورية العثمانية وقد شيد علـى شكل الحروف اللاتينية. وهو عبارة عن قاعة كبيرة ومرتفعة، تحتوي على دكاكين متراصة خُصّصت لبيع السلع. للقيصرية بابان رئيسيـان هـما الباب الجنوبي و الغربي، هذا فضلا عن العديد من الفجوات في سقف الســوق التي تستخــــدم للإنارة والتهوئة.
منارة الجولي
تعد مئذنة جولي، التي ترتفع ٢٢ متر عن سطح الأرض، من المعالم البارزة في مدينة أربيل. وتقع هذه المنارة جنوب غرب القلعة وعلى مقربة منها بمسافة كيلو متر واحد، ويُطلق عليها أيضا تسمية المنارة المظفرية. أُنشئت هذه المنارة بين عامي ١١٢٨-١١٣٨ م في عهد السلطان مظفر الدين و عرفت من قبل أهالي المنطقة باسم جولي، كونها كانت في ما مضى بعيدة عن المدينة.
قلعة عقرة
تقع القلعة في شمال بلدة عقرة على جبل شاهق ووفق ارتفاع ٤٥٠ م عن سطح الأرض. للقلعة اربعة أعمدة، كل واحد بطول ١١٠ متر، شيّدها الأمير زند سنة ٥٨٠ قبل الميلاد. تتكوّن القلعة من عدة أقسام: فالطابق العلوي مخصص لإقامة الأمير، والأوسط مخصص للأرزاق. أما المكان المخصص للاجتماعات فشيّد بشكل دائري، حيث تتوسطه صخرة مفلطحة في الجزء السفلي من القلعة. هذا فضلا عن بئر و غرفة بمدخل شبيه بشكل صقر يطلق عليه تسمية "سجن"، اضافة إلى غرف فسيحة بنيت وفق أشكال هندسية. تتزود القلعة بالمياه من ينابيع (رزي ميري) وعين باشا.
قلعة شيروانه
تقع قلعة شيروانه، التي شيدها محمد باشا الجاف، بمحاذاة مدخل بلدة كلار من الجهة الشمالية الشرقية و تضفي عليها المزيد من الجمالية والرونق، ما يجعلها مقصدا يرتاده الكثير من السياح و الزوار. تتألف القلعة من سرداب و طابقين اثنين، و غرفة بثمانية أعمدة شيّدها محمد باشا الجاف لإدارة شؤون عشيرته اضافة الى اتخاذها مسكنا له. هذا و تتضمن القلعة متحفا صغيرا.
منحوتات قزقابان
تتواجد هذه المنحوتات - التي هي عبارة عن واجهة قلعة علی الطراز الروماني- في مكان يبعد ٥٠ كم غرب مدینة السليمانية في وادي نهر ريزان بالقرب من كهف زرزي، و تقع على ارتفاع ٧ م من سطح الجبل. يعود تاريخ هذه المنحوتات إلى عهد ملوك مملكة ميديا في الألفیة الخامسة من قبل المیلاد. تتكون هذه المنحوتات من صالة و ثلاث غرف إضافة إلى ثلاث مقابر مفتوحة، و تماثيل مع عدة رموز و نقوش.
منحوتات خنس (مصيف الملك سنحاريب):
يقع هذا المكان على بعد ١٣ كم شمال شرق بلدة شيخان و يشتهر بتسمية "مصيف الملك سنحاريب". يعد هذا الموقع شبيها بالوادي ويحتوي على سلسلة من الجبال المطلة على مياه عذبة. تحتوي على العديد من التماثيل و المنحوتات و الكهوف المستخدمة بوصفها معابد. و في ما يخص المنحوتات، فيمكن إيجادها في الأماكن المرتفعة، و قد أنجزت بطريقة فنية نادرة. يعتبر هذا هذا الموقع مقصدا للراحة و الإستجمام.
جسر دلال
يقع هذا الجسر في بلدة زاخو التي تبعد عن مدينة دهوك ٥٠ كم. يعود تاريخ هذا الجسر العتيد- الذي بُني بشكل هندسي دقيق- الى الازمنة الغابرة حيث شيّد بالحجر على نهر خابور ويربط شطري البلدة ببعضهما بطول يناهز ١١٤ م، عرض ٤،٧ م و ارتفاع ١٦ م. تمّ إنشاء العديد من المرافق السياحية على مقربة منه. تمتاز بلدة زاخو بالعديد من المواقع الأثرية إضافة الى مصايف و ينابيع معدنية لمعالجة بعض الأمراض.